سورة الكهف - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


قوله عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} أي لا نترك أعمالهم الصالحة وقيل إن قوله إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً كلام معترض وتقديره إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات {أولئك لهم جنات عدن} أي دار إقامة سميت عدناً لخلود المؤمنين فيها {تجري من تحتهم الأنهار} وذلك لأن أفضل المساكن ما كان يجري فيه الماء {يحلون فيها من أساور من ذهب} قيل يحلى كل إنسان منهم ثلاثة أساور سوار من ذهب لهذه الآية وسوار من فضة لقوله تعالى: {وحلوا وأساور من فضة} وسوار من لؤلؤ لقوله: {ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير} {ويلبسون ثياباً خضراً من سندس} هو الديباج الرقيق {وإستبرق} هو الديباج الصفيق الغليظ وقيل السندس المنسوج بالذهب {متكئين} خص الاتكاء لأنه هيئة المتنعمين والملوك {فيها} أي في الجنة {على الأرائك} جمع أريكة وهي السرر في الحجال ولما وصف الله سبحانه وتعالى هذه الأشياء قال {نعم الثواب} أي نعم الجزاء {وحسنت} أي الجنات {مرتفقاً} أي مقراً ومجلساً، والمراد بقوله وحسنت مرتفقاً مقابلة ما تقدم ذكره من قوله سبحانه وتعالى وساءت مرتفقاً. قوله عز وجل: {واضرب لهم مثلاً رجلين} قيل نزلت في أخوين من أهل مكة من بين مخزوم وهما أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل وكان مؤمناً وأخوه الأسود بن عبد الأسود وكان كافراً وقيل هذا مثل لعيينة بن حصن وأصحابه وسلمان وأصحابه وشبههما برجلين من بني إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه قطروس وهما اللذان وصفهما الله سبحانه وتعالى في سورة الصافات وكانت قصتهما على ما ذكره عطاء الخراساني قال: كان رجلان شريكان لهما ثمانية آلاف دينار، وقيل كانا أخوين ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها فاشترى أحدهما أرضاً بألف دينار فقال صاحبه اللهم إن فلاناً قد شترى أرضاً بألف وإني قد اشتريت منك أرضاً في الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم إن صاحبه بنى داراً بألف دينار فقال اللهم إن فلاناً بنى داراً بألف دينار وإني اشتريت منك داراً في الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم تزوج صاحبه امرأة فأنفق عليها ألف دينار فقال اللهم إني أخطب إليك امرأة من نساء الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم اشترى خدماً ومتاعاً بألف دينار فقال اللهم إني اشتريت منك خدماً ومتاعاً بألف دينار في الجنة فتصدق بها، ثم أصابته حاجة شديدة فقال لو أتيت صاحبي لعل ينالني منه معروف فجلس على طريقه حتى مر به في خدمه وحشمه فقام إليه فنظر إليه صاحبه فعرفه فقال فلان، قال نعم قال ما شأنك قال أصابتني حاجة بعدك فأتيتك لتعينني بخير قال فما فعلت بمالك وقد قاسمتك مالاً وأخذت شطره، فنص عليه قصته فقال وإنك لمن المصدقين بهذا اذهب فلا أعطيك شيئاً فطرده، فقضي لهما فتوفيا فنزل فيهما قوله: {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين} وروي أنه لما أتاه أخذ بيده وجعل يطوف به ويريه أمواله فنزل فيهما {واضرب لهم مثلاً رجلين} {جعلنا لأحدهما جنتين} أي وجعلنا بساتين {من أعناب وحففناهما} أي أطفناهما من جوانبهما {بنخل وجعلنا بينهما زرعاً} أي بين النخل والأعناب الزرع وقيل بينهما أي بين الجنتين، يعني لم يكن بين الجنتين خراب بغير زرع {كلتا الجنتين آتت} أي أعطت كل واحدة من الجنتين {أكلها} أي ثمرها تماماً {ولم تظلم منه شيئاً} أي ولم تنقص منه شيئاً {وفجرنا خلالهما} شققنا وسطهما {نهراً}.


{وكان له} أي لصاحب البستان {ثمر} قرئ بالفتح جمع ثمرة وقرئ بالضم وهو الأموال الكثيرة المثمرة من كل صنف من الذهب والفضة وغيرهما {فقال} يعني صاحب البستان {لصاحبه} يعني المؤمن {وهو يحاوره} أي يخاطبه {أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً} أي عشيرة ورهطاً وقيل خدماً وحشماً {ودخل جنته} يعني الكافر أخذاً بيد أخيه المؤمن يطوف به فيها ويريه إياها {وهو ظالم لنفسه} أي بكفره فتوهم أنها لا تفنى أبداً وأنكر البعث فقال {وما أظن الساعة قائمة} أي كائنة {ولئن رددت إلى ربي} فإن قلت كيف قال ولئن رددت إلى ربي وهو منكر للبعث قلت معناه ولئن رددت إلى ربي على ما نزعم من أن الساعة آتية {لأجدن خيراً منها منقلباً} أي يعطيني هناك خيراً منها لأنه لم يعطني الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها {قال له صاحبه} يعني المؤمن {وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب} أي خلق أصلك من تراب لأن خلق أصله سبب في خلقه فكان خلقاً له {ثم من نطفة ثم سواك رجلاً} أي عداك بشراً سوياً وكملك إنساناً ذكراً بالغ مبلغ الرجال {لكنا هو الله ربي} مجازه لكن أنا هو الله ربي {ولا أشرك بربي أحداً ولولا} أي هلا {إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله} والمعنى هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها ما شاء الله اعترافاً بأنها وكل خير فيها إنما حصل بمشيئة الله تعالى وفضله وأن أمرها بيده وأنه إن شاء تركها عامرة وإن شاء تركها خراباً {لا قوة إلا بالله} أي وقلت لا قوة إلا بالله إقراراً بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها بمعونة الله وتأييده ولا أقدر على حفظ مالي ودفع شيء عنه إلا بالله. روي عن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى من ماله شيئاً يعجبه أو دخل حائطاً من حيطانه قال ما شاء الله لا قوة إلا بالله الحائط البستان {إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً} أي لأجل ذلك تكبرت علي وتعظمت {فعسى ربي} أي فلعل ربي {أن يؤتين} أي يعطيني {خيراً من جنتك} يعني في الآخرة {ويرسل عليها} أي على جنتك {حسباناً} قال ابن عباس: ناراً، وقيل مرامي {من السماء} وهي الصواعق فتهلكها {فتصبح صعيداً زلقاً} أي أرضاً جرداء ملساء لا نبات فيها وقيل تزلق فيها الأقدام وقيل رملاً هائلاً {أو يصبح ماؤها غوراً} غائراً ذاهباً لا تناله الأيدي ولا الدلاء {فلن تستطيع له طلباً} يعني إن طلبته لم تجده {وأحيط بثمره} يعني أحاط العذاب بثمر جنته وذلك أن الله تعالى أرسل عليها من السماء ناراً فأهلكها وغار ماؤها {فأصبح} يعني صاحبها الكافر {يقلب كفيه} يصفق بكف على كف ويقلب كفيه ظهراً لبطن تأسفاً وتلهفاً {على ما أنفق فيها} المعنى فأصبح يندم على ما أنفق في عمارتها {وهي خاوية على عروشها} أي ساقطة سقوفها وقيل إن كرومها المعرشة سقطت عروشها في الأرض {ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً} يعني أنه تذكر موعظة أخيه المؤمن فعلم أنه أتى من جهة شركه وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركاً {ولم تكن له فئة} أي جماعة {ينصرونه من دون الله} أي يمنعونه من عذاب الله {وما كان منتصراً} أي ممتنعاً لا يقدر على الانتصار لنفسه وقيل معناه لا يقدر على رد ما ذهب منه.
وقوله سبحانه وتعالى: {هنالك الولاية} قرئ بكسر الواو يعني السلطان في القيامة {لله الحق} وقرئ بفتحها من الموالاة والنصرة، يعني أنهم يتولونه يومئذٍ ويتبرؤون مما كانوا يعبد ون من دونه في الدنيا {هو خير ثواباً} أي أفضل جزاء لأهل طاعته لو كان غيره يثيب {وخير عقباً} يعني عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره فهو خير إثابة وعاقبة.


قوله عز وجل: {واضرب لهم} أي اضرب يا محمد لقومك {مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء} يعني المطر {فاختلط به نبات الأرض} أي خرج منه كل لون وزهرة {فأصبح} أي عن قريب {هشيماً} قال ابن عباس: يابساً {تذروه الرياح} قال ابن عباس: تذريه تفرقه وتنسفه {وكان الله على كل شيء مقتدراً} أي قادراً قوله سبحانه وتعالى: {المال والبنون} يعني التي يفتخر بها عيينة وأصحابه الأغنياء {زينة الحياة الدنيا} يعني ليست من زاد الآخرة، قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: المال والبنون حرث الدنيا والأعمال الصالحة حرث الآخرة وقد يجمعهما لأقوام {والباقيات الصالحات} قال ابن عباس: هي قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
(م) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لأن أقول سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلى مما طلعت الشمس» عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله علي وسلم أنه قال: «استكثروا من قول الباقيات الصالحات. قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مررتم برياض الجنة فارتفعوا. قلت: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: المساجد. قلت: وما الرتع؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب عن سعيد بن المسيب أن الباقيات الصالحات هي قول العبد الله أكبر وسبحان الله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله أخرجه مالك في الموطأ موقوفاً عليه وعن ابن عباس أن الباقيات الصالحات الصلوات الخمس وعنه أنها الأعمال الصالحة {خير عند ربك ثواباً} أي جزاء {وخير أملاً} أي ما يؤمله الإنسان. قوله سبحانه وتعالى: {ويوم نسير الجبال} أي نذهب بها وذلك أن تجعل هباء منثوراً كما يسير السحاب {وترى الأرض بارزة} أي ظاهرة ليس عليها شجر ولا جبل ولا بناء وقيل هو بروز ما في بطنها من الموتى وغيرهم فيصير باطن الأرض ظاهرها {وحشرناهم} يعني جميعاً إلى موقف الحساب {فلم نغادر منهم أحداً} أي لم نترك منهم أحداً {وعرضوا على ربك صفاً} أي صفاً صفاً وفوجاً فوجاً لأنهم صف واحد وقيل قياماً كل أمة وزمرة صف ثم يقال لهم {لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة} يعني أحياء وقيل حفاة عراة غرلاً {بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعداً} يعني القيامة يقول ذلك لمنكر البعث.
(ق) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: «أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين إلا إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي، فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم إلى قوله العزيز الحكيم قال: فيقال لي إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. زاد في رواية فأقول سحقاً سحقاً» قوله غرلاً أي قلفاً والغرلة القلفة التي تقع من جلد الذكر وهو موضع الختان، وقوله سحقاً أي بعداً، قال بعض العلماء: إن المراد بهؤلاء أصحاب الردة الذين ارتدوا من العرب ومنعوا الزكاة بعد.
(ق) عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يحشر الناس حفاة عراة غرلاً. قالت عائشة: فقلت الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض قال: الأمر أشد من أن يهمهم ذلك» زاد النسائي في رواية {لكل امرئ يومئذٍ شأن يغنيه.}

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7